اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

السبت، 16 أغسطس 2014

الصراط المستقيم: (فاتبعُوه...)

 

الصراط المستقيم

قراءة في كتاب:  (فاتبعُوه...)


    تقول الباحثة "نزيهة الدَّخَّان" في تحليلها لحال الأمة الإسلامية وما وصلت إليه من ذُلٍ وهوان وتدنِّي وانهيار حضاري، وفي بحثها عن أسباب ذلك الانهيار، ومن خلال كتابها: (فاتبعوه) : " لم نمتثل لأمره تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ...) ]الأنعام: 153[ . ولم نتلتزم بعهدنا معه سبحانه: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) ] يس:60-61[ ، فالرحمن يقول: (َأنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) ، والشيطان يتوَعَّد : (... لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ] الأعراف:16[ ..." ثم تستطرد قائلةً: " لذا كان لِزامًا علينا أن نسلِّط الضوء على الصراط المستقيم، ذلك الصراط الذي لا نعلم منه إلا الصورة الرَّهيبة بوصفه جسرًا على جهنم، وغفلنا عن الجانب التطبيقي منه بوصفه دُستورًا إلهيًا، وما علينا إلا العمل به بندًا بندًا، وقياس مدى التزام أبناء الأمة به، ومدى حيدهم عنه، وتسخير الطاقات البشرية وتوظيف سلطان الإعلام والتقنيات الحديثة لتوضيح هذا النهج الإلهي الكفيل بنهضة الأمة، التي طال سباتها"[1].


    "وتشرح الهدف من خلق الإنسان، وبأن الله خلقنا لعبادته كما بين في كتابه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ] الذاريات:56[، ثم تتساءل ثم توضح معنى العبادة التي يقصدها الله سبحانه والتي يُطالب بها الإنسان قائلةً: " العبادة هي اسمٌ جامِعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"[2] ، ثم تعود إلى الآية: (َأنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ). وتربط معنى العبادة بذلك الصراط قائلةً: " (أن اعبدوني)، إنها حالة مستثناة يدعو فيها سبحانه بني آدم لعبادته وحده، ويقرن الأمر بالعبادة بالإشارة إلى الصراط المستقيم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن العبادة لا تكون إلا باتباعه"[3] . ثم بعد بحث طويل وتدبُّرٍ في كتاب الله لمحاولة فهم الصراط المستقيم الذي ربطه الله بعبادته، ومعرفة أهميتهن وكيف تحدى الشيطان الله سبحانه بأنه سيغوي البشر أجمعين، وسيقعد لهم على هذا الصراط فيضلهم عن طريقه، مستثنيًا من ذلك عباد الله المُخْلَصين، وكيف أن الله نسبَ هذا الصِراط لذاته العليَّة، ووضعه على شكل بنود وأمر باتباعه، ونهى عن اتباع غيره، وقد جاء تفصيله واضحًا في سورة الأنعام :

(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)).


    إنه صِراط، ومنهج، مكون من عشرة بنود:

-         أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا

-         وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

-         وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ

-         وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

-         وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ

-         وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

-         وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ

-         وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى

-         وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

-         وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ

    ثم تشرح الباحثة كل بند من البنود في فصل من فصول الكتاب، لترشدنا كيف أراد الله لنا ووصانا الالتزام بتلك البنود لتحقيق التقوى الكاملة، والغاية من العبادة التي هي الغاية من خلق الإنسان ووجود على الأرض. ثم تختتم الكتاب مستشهدةً بالآية التي يأمر الله سبحانه (ص) بالتمسك بذلك الصراط وبنوده، وبأن هذا الأمر ينسحب كذلك على قومه معه ، في قوله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)) ] الأحزاب[ . مذكرًا تعالى إيَّاهم بمسؤولية تطبيقه والتزامه،بصفتهم المُنطلق لهذا الدين والناطق باسمه، ليستحقوا الخيرية التي منحهم الله شرفها بشرط القيام بواجبها، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. فالخيرية ليست صفة دائمة نتوارثها كوننا ننتمي للاسلام اسمًا، بل هي صفة من حمل الإسلام اسمًا ومضمونًا، فلا خير في أمةٍ لا يشهد التاريخ بخيريتها، فالخيرية التي تدر الخير على أصحابها تتمثل في قوله تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) ] الجن:16[ ، ثم يعقب الله تعالى بتحذير ضمني من الوقوع في الفتنة، قائلًا: (لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ... ) ] الجن: 17[ ، والفتنة قد تكون بالشر أو بالخير، ثم تختتم بالدعاء القرآني الخالد: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ) ] الفاتحة[ ..."[4].
 
                                                                            (صفاء الزفتاوي- 16/8/2014)





[1]  نزيهة محمد علي الدّخان، فاتبعوه ، ط1، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 2014، (الغلاف الخلفي للكتاب).
[2]  ابن تيمية، العبودية، تحقيق محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط7 المجددة، 2005، ص44.
[3]  نزيهة محمد الدّخان، سابق، ص30.
[4]  نزيهة محمد علي الدّخان، سابق، (استعراض لأهم أفكار).

هناك تعليق واحد:

Copyright Text

( اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه )