خواطر قرآنية:
خاطرة 2
ما دامت السماوات والأرض
قال الله تعالى :
"فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" – هود: ( 106-107 ).
"فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" – هود: ( 106-107 ).
إنَّ الآيتين السابقتين تثيران بعض التساؤلات
حول خلود أهل النار فيها وكذلك أهل الجنة فيها، فهل النار خالدة؟ وهل الجنة خالدة؟
فالآية الأولى تدل على أن أهل النار لهم فيها
حياة، لأنهم يتنفسون، فلهم شهيقٌ وزفير، وبأنهم خالدين فيها، وقد دلَّت العديد من
الآيات القرآنية الأخرى وكذلك الأحاديث الشريفة أن هناك صنفان من أهل النار، صنف
سوف يُعاقب فترة من الزمن على ما قدَّم من ذنوب ثم يُخرج من النار، وهؤلاء
الموحدون المذنبون، وصنفٌ كافرون بالله أو ملحدون أو مشركون أو ظالمون وطاغون في
الأرض، فهؤلاء خالدون في النار، وهناك أحاديث تدل على أن هناك صنف ثالث، وهم يُخرجهم
الله من النار برحمته؛ حيث يأخذ حفنة من أهل النار فيخرجهم منها مع أنهم ما عملوا
خيرًا قط، وتدل الآية على ذلك فهناك دائمًا استثناءات: } إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ { ،
وكذلك أهل الجنة أصناف ودرجات، فمنهم من يدخل الجنة بغير حساب ومنهم من يدخل بعد
الحساب ويتجاوز عنه ربه، ومنهم من يُعاقب في النار ثم يخرج منها، ومنهم هؤلاء
العُتقاء الذين سيُخرجهم ربهم برحمته في وقت ما ثم يدخلهم الجنة مع أنهم ما عملوا
خيرًا قط، فكل شيئ مرهون بإرادة الله، ولكن...!
ولكن هذا الخلود في النار أو الجنة مشروط
بدوام السماوات والأرض: } مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ {
، فما هما السماوات والأرض المقصودتان، وما معنى الخلود المشروط بدوامهما، هل هي
صيغة كانت موجودة عند العرب عندما يريدون الإشارة إلى أن الشيئ المذكور دائم لا
ينقطع كما ذكر ذلك بعض المفسرون، أم أن حياة البشر سوف تنتهي يوم يطوي الله السماء
كَطَيّ السجل للكتب ويبدأ الخلق مرةً أخرى ويقوم الناس للحساب على أرض جديدة وتحت
سماء جديدة، ثم يدخل من يدخل الجنة ويدخل من يدخل النار، خالدين فيها أزمانًا
محددة، ثم تزول السماوات والأرض الجديدتين في وقت ما، ويبدأ الله الخلق مرة أخرى،
وهكذا تستمر عجلة الخلق ثم الفناء ثم الخلق مرة أخرى للحساب والحصول على الثواب أو
العقاب لفترة من الزمن ما دامت السموات والأرض الجديدتين، ثم الفناء والخلق
والإعادة والفناء.....، وهكذا يدور الزمن ويتكرر دون توقف، وكل ذلك مرهون بالمشيئة
الإلهية، فالكون مخلوق والزمن كذلك مخلوق، وكل مخلوق لابد له من الفناء في يوم ما
– إلا ما شاء ربُك - ، كما أن قوله تعالى بعد ذِكر الجنة والخلود فيها : }إلا ما
شاء ربك{
. يضعنا في حيرة، فهل هناك أقوام سوف لا يخلدون في الجنة بعد دخولها؟ وهناك الآية
التي تقول عن أهل الجنة: }وما هم
منها بمخرجين{
. ثم يذكر الله تعالى بعد ذلك أن عطاء الله لأهل الجنة غيرمجذوذ، أي غير منقوص،
فهل يدل ذلك على أن هناك سماوات تُخلق وتزول وهناك سماوات غيرها تبقى للأبد، وما
معنى الأبد أو الخلود هنا، هل هو عدم انقطاع الزمن عن أهل النار أو الجنة، أم أن
معناه هو الزمن الطويل الذي لا نعرف نهايته، ولكنه له نهاية محتومة ومشروطة بدوام
السماوات والأرض التي يعيش فيها أهل النار وأهل الجنة. إن فكرة فناء النار في يوم
ما وانتهاء العذاب سواء بفناء أهلها، أو بفناء السماوات والأرض التي توجد بها،
لفكرة يقبلها العقل والمنطق لأن الإله العظيم خلق النار للعقاب، ولابد للعقاب من
نهاية، ولكن فكرة فناء الجنة وأهلها الصالحون لَتُوجِد بعض التساؤلات – إن صحَّت –
وهي لماذا يخلق الله الخلق ثم يُعيده؟ ولماذا يفنى الصالحون؟ أم أن لهم أدوارًا
محددة قد أَدَّوْها في الكون ثم نالوا عليها الجزاء لفترة من الزمن ثم ينتهي
زمانهم في الجنة كما انتهى على الأرض الأولى، ليخلق الله خلقًا غيرهم.
صفاء الزفتاوي
14-6-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق