اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

الثلاثاء، 18 مارس 2014

متى يحدث تحريف الدين؟ ولماذا؟

 متى يحدث تحريف الدين؟  ولماذا؟

* * * * * * *           

يقول الله عز وجل: (( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) )) (سورة يونس)

الآية 93 من سورة يونس السابقة تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى بعدما نَجَّى موسى وقومه من فرعون _حسب سياق الآيات السابقة لها - أنزل بني لإسرائيل منزلًا طيبًا نتيجة صدق إيمانهم واتباعهم لرسولهم في تحديه وهروبه من فرعون، ورزقهم الله من الطيبات..... فماذا حدث بعد ذلك؟

يقول الحق سبحانه : (( فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ  )). أي أن الاختلاف لم يحدث بينهم إلا بعد أن جاءهم العلم وعرفوا الحق والحقيقة الكاملة. لماذ؟؟؟ هل هذا أحد أسباب الاختلاف ، بعدما يصل الإنسان للحقيقة الكاملة ويرزقه الله من الطيبات فيشعر بالاكتفاء من الدنيا ( الطيبات) ومن الدين ( العلم) فيبدأ يشعر بالملل والر غبة في التجديد أو التغيير، أو إثبات الذات أو ......إلخ. فيبدأ بالتفكير في أمور من باب الترف الفكري الفلسفي والتعقيد الذي لا هدف منه سوى ملأ الفراغ الزمني والعقلي والنفسي فيثير الشكوك والتساؤلات حول أمور محسومة أصلًا أو أنها من البديهيات فيبدأ بالاختلاف والابتداع في الدين، وتنقسم الأمة إلى مذاهب وفرق مختلفة وكلٌّ يحاول إثبات أنه على الحق وتكفير الطرف الآخر. (طبيعة بشرية غريبة).

وهذا ما حدث للمسلمين كذلك، فما بدأ الاختلاف بينهم إلا بعد أن فُتحت عليهم الدنيا وزينتها وعَرفوا الحق والعلم الكامل من الله (القرآن): ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا)، أي أن القرآن حسم القضية واكتمل الدين وعلم الدين في عهد الرسول (ص) وقبل وفاته. فما الذي فرَّق الأمة؟؟ الترف المادي (الطيبات) واكتمال العلم بالدين. فالفراغ الفكري الذي يبحث في الأساطير والفلسفات القديمة ويحاول التغيير والتبديل فتنشأ الفرق والمذاهب ويكفر كل منها الآخر، وتدور الدائرة...... ولا يدخل في ذلك الاجتهاد الفقهي العلمي الذي يحاول تفسير المستجدات الحديثة والمشكلات التي تعاصر كل جيل في ضوء القرآن، لأن ضوء القرآن ( وهو نور ينبع من نور الله سبحانه فينير كل ما هو غامض)، ومع ذلك يظل كل اجتهاد فقهي وتفسير للقرآن عمل بشري وليس إلهي ولا نتاج وحي إلهي، فهو قابل للتغيير حسب مقتضيات الزمان والمكان ما دام يدور في دائرة ضوء القرآن.

وما حُكم الله فيما حدث من اختلاف بين علماء الأمة من خلال الآيات: (( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )). إن الله لم يكفرهم لاختلافهم فيما بينهم لأن هذه هي الطبيعة الفكرية والنفسية لبني البشر، وسيظلون كذلك إلى يوم القيامة.

فالحكم الوحيد بينهم هو الله، وليس الآخرين ممن يخالفونهم الرأي.
 ومتى تُنصب المحكمة؟؟ يوم القيامة، وليست في الدنيا.

ويظل مع ذلك يصفهم الله بأنهم أهل كتاب، وإن اختلفوا فما زال الحق والعلم يدور بينهم، ويطلب من رسوله الكريم خاتم الرسل إذا أراد أن يتثبت من أن هذا الوحي الذي يأتيه هو حقًا من عند الله وليس مسًّا من الجن، أو تخيلات كما ادعى عليه البعض، أن يسأل أهل الكتاب ""الذين يقرأون الكتاب من قبلك" لأن لديهم علم ووحي يشبه إلى حد كبير ما جاءك من الله برغم تحريفهم وتغييرهم واختلافهم.

(( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) )).

يا الله ... ما أعظمك من إله!  وما أجهلنا من مخلوقات!
خلقت الإنسان وتعلم ما توسوس به نفسه وتعلم أنه بعد أن يأتيه الحق سيبدأ بالتذمر والتفلسف والتغيير والتبديل و... إلخ . ومع ذلك تترك له مساحة كبيرة من الحرية ليفكر ويختلف ولا تطلب من الآخرين تكفيره ولا الحكم عليه، ولكن نَصَّبت نفسك الحكم الوحيد في تلك القضية المصيرية، ولم تنف عنه أنه لديه بعض الحق ما دام ما زال يقرأ الكتاب المنزل إليه، وتجعله مرجعًا لرسولك الكريم ليسأله ويستفيد مما لديه من علم.

ومع ذلك لم ينفي الله أن من هؤلاء المختلفين ضالين مُضلين، ولهم عقاب شديد، وهناك قلوب وعقول كالصخر الأملس الذي لا ينبت نباتًا ولا يُبقي ماءًا فلا خير فيه، فلا يُؤمن مهما جاءته من آيات بينات وأدلة على صدق الوحي، فهو مُكابر ومُعاند وصاحِب هوىً، فلا يُؤمن إلا بعدما أن يرى العذاب الأليم بعد فوات الأوان، مثل فرعون الذي آمن عندما كاد أن يغرق، ومثل الكفار والملحدين والفُسَّاق عندما يرون العذاب الأليم يوم القيامة فيطلبوا فرصة أُخرى حيث لا توجد تلك الفرصة، فهذا لا أمل فيه، وهو خاسر لدينه ونفسه.
 ويقول الله عز وجل: (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا )). و يقول سبحانه وتعالى: (( و لو شاء ريك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين )).

فالسنة الكونية ان نكون مختلفين في فهم منهج الدين مهما آتانا الله من العلم والفهم، فسوف تظل هناك مساحة من الاختلاف، قد تكون مقبولة، وقد تنحرف إلى أحد الطرفين (التطرف في الفكر)، أو تكون جاحدة كافرة معاندة، وغالبًا ما يكون النفور والجحود والإلحاد رد فعل عكسي للتطرف الديني بكافة أشكاله، وانسحاب الروح من الدين فيتحول إلى أوامر وشعائر مادية جامدة منفرة لا روح فيها ولا منطق أحيانًا،  أو تغليب الجانب الروحي على المادي فيتحول الدين إلى تطرف صوفي فلسفي بعيد عن الحقيقة الإنسانية.  وكلا الطرفين لديه تَصَوُّرٍ خاطئٍ لحقيقة الدين؛ وحقيقة الإنسان؛ وحقيقة وجود الإنسان وعلاقته بالخالق والوجود.
 
    وإضافة لما سبق فقد لعبت السياسة على مرّ السنين والعصور المختلفة دورًا أساسيًا في تحريف الدين كذلك، وأوصلتنا جهالتنا بحقيقة الدين أن نَفَرْنا من الدِّين ونَفَّرنا الناس منه، وانتشر الإلحاد والكفر بالأديان وعمَّ وطم فالخالق سبحانه ليس ظالمًا ولم يخلقنا ليعذبنا، ولا يستفيد من عبادتنا شيئًا، ولا تضره معصيتنا شيئًا. ولكن ما توارثناه من تفاسير للدين ومذهبية قبيحة وفرق متناحرة ودموية سياسية أُلصقت بالدين لأهداف سياسية جعلت من البشر وقودًا لها واستعبدتهم باسم الدين هو ما أوصلنا لهذا الفهم الخاطئ وما أوصل فئة كبيرة من الناس وخاصة الشباب لرفض الدين وكل ما يتعلق به من مفاهيم. كل الكوارث الموجودة في تاريخنا الإسلامي حقيقية ومثلها في تاريخ جميع الأمم البشرية، ولكن الباحث عن الحق بموضوعية وطريقة علمية محايدة يجد أن الأسباب الحقيقية أسباب سياسية اِسْتُغِل فيها الدين لجذب العامة من الجهلاء لبوتقة الحروب وتجييش الجيوش لكسب مصالح الحكام وفقط. فسحقًا للسياسة وسُحقًا للغباء والجهل والاتباع الأعمى لأي شخص أو جهة أو مذهب.


حتى المسلمون ( لا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فلسنا أفضل من غيرنا، لأننا حرفنا كثيرًا من ديننا وتفرقنًا شيعًا واحزابًا، وكل حزبٍ بما لديهم فرحون.. ولا أمل لنا إلا أن نبحث عن أصل الدين ونحاول تحريره وتطهيره من كل أسباب وظواهر التحريف، أو أن يتغمدنا الله برحمته نتيجة جهلنا واتباعنا الأعمى للمذاهب والفرق والأحزاب دون تفكير و تدبر... وهذا الأمل ضعيف لأنني اكتشفت مؤخرًا أن العُذر بالجهل لا يتمتع به الكثير من الناس، لأن من وصلتهم رسائل الله واستوعبوها وعرفوا أنها الحق ثم حرفوها أو تغافلوا عنها ولم يهتموا بتدبرها وفهمها وتطبيقها ، فهؤلاء
 الغافلون لا عُذر لهم ... ( فالقانون لا يحمي المغفلين، وكذلك الله لا يحمي الغافلين)..




* وانظر المقال التالي أيضًا: (الغافلون)..
http://ssmzz.blogspot.ae/2014/11/2.html 



                                           صفاءالزفتاوي     18-3- 2014


  **********************


** المقال منشور أيضًا على صفحات مجلة شموس الإلكترونية هنا:


                                      متى يحدث تحريف الدين؟ ولماذا؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Copyright Text

( اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه )