اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

الاثنين، 18 أغسطس 2014

معنى الإسلام من القرآن؟



معنى الإسلام من القرآن

 
 

ما هو تعريف الله سبحانه وتعالى للمسلمين في القرآن؟
 
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج-78]
 
من الناحية اللغوية أسماء العلم لا تترجم. ولذلك وردت أسماء أعجمية كثيرة في القرآن مثل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وداود ويوسف وموسى وهارون دون أن تترجم إلى العربية. و نجد أن الإسم يتشابه في اللغة العبرية واليونانية واللاتينية والعربية مع بعض الاختلاف في النطق. مثلا في الآية السابقة إسم العلم الأعجمي إبراهيم لم يترجم من اللغة الأعجمية القديمة التي كان يتكلم بها قوم إبراهيم إلى اللغة العربية.
لغويا ومنطقيا أسماء العلم لا تترجم لأنها مجرد علامة ملصقة على ما تسميه ولا تدل على حقيقته. مثلا ممكن شخص إسمه أمين يكون حرامي. وممكن رجل إسمه مسلم يكون غير مسلم. وممكن شخص إسمه جمال يكون قبيح.  لذلك وجب التفريق بين أسماء العلم من ناحية والأسماء الحقيقية التي تربط المعنى بحقيقة ما تسميه من ناحية أخرى.  لذلك نجد أسماء علم مثل حسني مبارك أو جورج بوش لا تترجم ولا تدل على حقيقة المسمى بهذه الأسماء. هي مجرد أسماء أسماهم بها أباؤهم ولا علاقة لها بحقيقة هؤلاء الأشخاص.
 
من ناحية أخرى نجد أن لفظ المسلمين ترجمه الله من لغة قوم إبراهيم إلى العربية لغة قوم الرسول. إذا لفظ المسلمين ليس مجرد إسم علم ولكنه وصف حقيقي لطبيعة هذه الجماعة من الناس. كلمة إسلام هي مصدر على وزن إفعال مثل إصلاح أو إنجاح وهي تدل على إفعال إسم المصدر الذي على وزن "فَعال". و لذلك الإصلاح إفعال الصلاح والإنجاح إفعال النجاح والإسلام إفعال السَلام. كلمة المُسلِمين على وزن "مُفعِلين" وهم المُفعِلين للسلام مثل أن المُصلِحين هم المُفعِلين للصلاح والمُنجِحين هم المُفعِلين للنجاح والمُفسِدين هم المُفعِلين للفساد.
 
 فَعَل      فَعال         مُفْعِل         أَفْعَل         إفْعال  
فَسَد      فَساد         مُفْسِد        أفْسَد         إفْساد  
صَلَحَ     صَلاح       مُصْلِح       أَصْلَح         إصْلاح  
سَلَمَ       سَلام        مُسْلِم         أَسْلَم         إسْلام  
 
"إسلام" على وزن "إفعال" تعني إفعال السلام. وكل الناس بالفطرة تعلم معنى إفعال السلام والهدف منه.
 الدين عند الله الإسلام، معناه أن الفرض الذي ندين به لله هو إفعال السلام. وبـإفعال السلام نصون الأمانة التي اختصنا الله بها وهي خلافة الأرض - أي قيادة الأرض:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة-30]
والجميع بالفطرة يعلم أن إفعال السلام هو عكس إرتكاب جريمة الإفساد في الأرض وسفك الدماء.
 
 (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة-31-33]
 
الله سبحانه وتعالى علمنا الأسماء الحقيقية ولذلك نعرفها جميعا بالفطرة وذلك هو الذي يعيننا في مهمتنا و حمل الأمانة. على سبيل المثال جميع البشر على اختلاف نشأتهم ومجتمعهم يعرفون مفهوم السلام ويعلمون بالفطرة أنه شيء جيد وأن إفعال السلام (أي الإسلام) فعل حسن. و هو إسم حق أي مفهوم إنساني علمه الله لكل الناس ويظهر فطريا في كل الحضارات حتى التي لم يكن عندها اتصال ببعض. والإسلام ليس فكرة جديدة ولكنه مفهوم معروف عند أهل الكتاب وذكر كثيرا في كتبهم. على سبيل المثال:
 
 وَالْبِرُّ هُوَ ثَمَرَ ةُ مَا يَزْرَعُهُ فِي سَلاَمٍ الْمُسْلِمون. [ﻳﻌﻘﻮﺏ 3:18]
 
بهذا المفهوم تعالوا نتدبر مرة أخرى الآية 78 من الحج:
 
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِي)رُ [الحج-78]
 
الآية الكريمة تتحدث عن سببين لتسميتنا بالمسلمين: أولا ليكون الرسول شهيدا علينا وثانيا لكي نكون شهداء على الناس. وبطبيعة الحال الشاهد وظيفته وواجبه الأساسي هو أن يشهد الحق في حالة حدوث خلاف. إذا السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي القضية التي فيها اختلاف؟
 
القضية موضع الخلاف مذكورة في أول الآية الكريمة. حين يقول الله "جاهدوا في الله حق جهاده" فهذا يعني بالضرورة أن هناك جهاد حق و جهاد باطل. إذا القضية هي الخلاف بين الجهاد الحق والجهاد الباطل. و بالتالي الله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين في رسالته التي يبـلغها رسوله لكي يحسم تلك القضية. حيث أن الرسول من خلال الرسالة يشهد أن إسمنا المسلمين وبذلك سوف يكون شهيدا علينا ونكون شهداء على الناس فيما يتعلق بالجهاد الحقيقي في مقابل الجهاد الباطل. بالتالي لا يمكن أن نفسد في الأرض ونسفك الدماء وندعي أننا نفعل ذلك للجهاد في سبيل الله. في هذه الحالة إسمنا كمُسلِمين يعني مُفعِلين للسلام يدحض أي تبرير للفساد في الأرض وسفك الدماء بحجة الجهاد في سبيل الله. وفهمنا الصحيح لمعنى إسم المسلمين يجعلنا أيضا شهداء على كل من يفسد في الأرض ويسفك الدماء بحجة الجهاد في سبيل الله.
 
منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا كثير من الدماء تستحل وتسفك والجرائم ترتكب والحروب تشتعل بحجة الجهاد في سبيل الله. كل هذا يتنافى مع الهدف الأساسي الذي جعلنا الله من أجله خلفاء في الأرض. واسمنا كمُسلِمين أو مُفعِلين للسلام هو البوصلة التي نستطيع أن نقرأها بما علمنا الله من الأسماء الفطرية وترشدنا إلى الجهاد في الله حق جهاده.
 
 الجهاد الحق ¬ إفْعال السلام ¬ الإسْلام
 
إفعال السلام أي الإسلام ليس مجرد إسم علم ندونه على البطاقة ولكن هو مهمة يجب علينا تنفيذها لكي نؤدي أمانة الخلافة في الأرض.
 
 (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم-30]
 
 والمجرم الذي يفسد في الأرض بـعمله وقوله الذي لا ينشر السلام بين الناس هو عكس المُسلِم المُفعِل للسلام:
 
 (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) [القلم-35]
 
 الإسلام ليس مجرد إسم علم يدون في شهادة الميلاد أو البطاقة. وهو ليس كما يظن البعض مجرد طقوس يقوم بها الناس بينما في نفس الوقت يحلون الإفساد في الأرض وسفك الدماء بإسم الدين. الإسلام هو إفعال السلام وبالتالي كل مُفعِل للسلام هو مُسلِم. ومن جهة مقابلة من لا ينشر السلام في الأرض أو يفسد فيها ويسفك الدماء أو يشجع هذه الجرائم أو يسكت عنها فهو ليس بمُسلِم.


#منقول.   
                                                                                                              (صفاء الزفتاوي- 19-8-2014)




 

الأحد، 17 أغسطس 2014

الثقب الأسود ... BLACK HOLE

الثقب الأسود ..... 

 
 


 
 
 
 
    تقول إحدى المُلحِدات على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ما يلي:
 
    " يمتلئ القرآن الكريم بالاخطاء المنطقية. وسأبدأ بنشر بعضها تباعا واعطيها رقم لسهولة العودة اليها. اول الاخطاء المنطقية هي:
  أن الله يحيي الموتى وهي رميم. ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم ) يس، 12. وقال: ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ) يس، 78. من ذلك فُهم ان الفرد يعود بجسده فيقف امام الله الاسلامي. بل ونراه يقول: ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) (النساء، 56). 
 
    لامعقولية ذلك في استحالة خلق الفرد بذاته، من حيث أن ذلك سيعني إعادة استخدام الذرات نفسها التي تكوَّن منها كل فرد. ولكننا نعلم أن كل كائن يتفسخ وتصبح ذراته طعاما لكائن اخر الذي بدوره يتفسخ ويصبح طعاما لغيره، وهكذا ملايين المرات. بمعنى آخر أن كل ذرة معينة وبذاتها تكون جزء من جسم مئات الكائنات على التوالي، فكيف يتمكن الله من اعادة الكائنات كلها في وقت واحد وكل ذرة من أجسام أحدهم هي جزء من أجسام آخرين أيضا؟ إن استخدام ذرات جديدة لن ينتج عنها الفرد نفسه، وبالتالي يكون الأمر مجرد خديعة وسراب. الله لايستطيع إعادة الموتى بذاتهم، لكونها استحالة منطقية " .
 
    وأرد عليها منطقيًا وعلميًا كذلك بالأتي:

    في التعبير القرآني ، يقول الله سبحانه: ﴿ إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون  ‏[‏النحل‏:‏40‏]‏،  ويقول علماء الفيزياء وعلى رأسهم (استيفن هوبكنز) أن الكون وُجدَمن العدم.. التعبير القرآني يؤيد ذلك تمامًا.. حيث أن الأمر من الخالق للشيء الذي لم يكن له وجود سابق إطلاقًا أن يوجد من العدم التام هو ما تؤكده تلك الآيات.. فما التعارض بين قول الفيزيائيين وقول الحق (سبحانه) .. من يفهم الدين جيدًا، ويفهم العلم جيدًا ولديه حيادية علمية فسوف يجد أنه لا تعارض بين الدين ( كما جاء في القرآن) وبين العلم. كذلك التساؤل عن كيفية ‘عادة خلق الله سبحانه للإنسان مرةً أُخرى بعد أن يبلى ويتحول جسده لذرات تتداخل بعد ذلك في أجساد حيوانات ونباتات وصخور الأرض وترابها .. فهذا أيضًا ما يؤيده علم الجينات، وكيف أن يمكن إعادة توليد إنسان من خلية من جسد إنسان آخر (الاستنساخ) بحيث يصبح النسخة الجديدة متصفًا بكل الصفات الجينية للأصل، مع الفارق أن الروح لن تكون واحدة والتجارب الحياتية التي سيمر بها هذا النسخ لن تكون واحدة ولذلك قد تتطور شخصيته بشكل مختلف عن نسخته الأصلية.. أما إعادة الخلق من الله سبحانه فهي كاملة لا عيب فيها، ويؤيدها حديث عجب الذَّنّب.
 
   لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل خلقه هذا آية دالة على عظيم قدرته وبديع صنعه، ولهذا نجد الأمر منه سبحانه وتعالى للإنسان بالنظر والتفكر في خلقه، يقول الله تعالى:﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق: 5]؛ وكل هذا لكي يتعرف الإنسان على ربه تعالى ويشهد بأنه الإله الحق.
 

    "وقد جاءت نصوص من الكتاب والسنة لترشد الإنسان إلى بعض أسرار خلقه وتعينه على النظر والتفكر، ومن ذلك أحاديث (عجب الذنب) التي أخبر فيها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن حقائق علمية بالغة الأهمية، وهي أن الإنسان يركب خلقه من عجب الذنب وذلك عند تكون الجنين، وأن هذا العظم لا يبلى، بل يركب الإنسان ويعاد خلقه منه يوم القيامة.

وفي هذا البحث سنتعرض لهذه الأحاديث بشيء من التوضيح، وبيان ما توصل إليه العلم الحديث في هذه المسألة، ومن ثم إظهار وجه الإعجاز فيها بمطابقتها للحقائق العلمية الحديثة.
 
    جاءت بعض الأحاديث مخبرة عن عجب الذنب، فمنها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ»(1).

ومن ذلك أيضاً ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: عَجْبُ الذَّنَبِ»(2).
والعَجْبُ بالسكون: وهو العظمُ الذي في أَسفل الصُّلْب عند العَجُز(3).

يقول النووي: "قوله: (عجب الذنب) هو بفتح العين وإسكان الجيم أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص، ويقال له: (عجم) بالميم، وهو أول ما يخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه"
(4).

ومن خلال الأحاديث السابقة نجد أنها أشارت إلى ثلاثة أمور:
1- أن الإنسان يبدأ خلقه في مرحلة التكوين من عجب الذنب.
2- أن عجب الذنب لا يبلى ولا تأكله الأرض.
3- منه يعاد خلق الإنسان يوم القيامة.
عجب الذنب (الشريط الأولي) في ضوء علم الأجنة:
أوضح علم الأجنة الحديث أن عجب الذنب هو الشريط الأولي Primitive Streak حيث إن هذا الشريط الأولي هو الذي يتكون إثر ظهوره الجنين بكافة طبقاته وخاصة الجهاز العصبي، ثم يندثر هذا الشريط ولا يبقى منه إلا أثر فيما يسمى عظم العصعصي (عجب الذنب) (5).



عجب الذنب لا يبلى:

لقد اكتشف العلماء أن الذي يقوم بالتخليق والتنظيم لجميع خلايا الجنين هو الشريط الأولي، وأول من اكتشف ذلك من العلماء هو العالم الألماني الشهير (هانسن سبيمان) حيث قام بدراسات وتجارب على الشريط الأولي والعقدة الأولية وأكتشف أن الخيط الأولي والعقدة الأولية هما اللذان ينظمان خلق الجنين وأطلق عليهما اسم(المنظم الأولي أو المخلق الأولي ¬(Primary Organizer وقام بقطع الشريط الأولي وزرعه في جنين آخر في المراحل الجنينية المبكرة في الأسبوع الثالث والرابع فأدى ذلك إلى نمو جنين ثانوي من هذه القطعة المزروعة في الجنين المضيف؛ حيث تقوم هذه القطعة المزروعة بالتأثير على البيئة التي حولها والمكونة من خلايا الجنين المضيف، بحيث تؤثر عليها وتنظمها ويتخلق منها جنين ثانوي مغروساً في جسد الجنين المضيف.

ثم قام هذا العالم الألماني (سبيمان) عام 1931م بسحق المنظم الأولي وزرعه مرة أخرى فلم يؤثر السحق حيث نما مرة أخرى وكون محوراً جنينياً ثانوياً رغم سحقه ولم تتأثر خلاياه.
وفي عام 1933م قام هذا العالم وعلماء آخرون بغلي المنظم الأولي وزراعته بعد غليه فشاهدوا أنه يؤدي إلى نمو محور جنين ثانوي بعد غليه ولم تتأثر خلاياه بالغليان، ولقد نال العالم الألماني (سبيمان) جائزة نوبل عام 1935م على اكتشافه للمنظم الأولي(6).
 
    وأجريت تجارب أخرى في نفس المجال وتوصلت إلى نفس النتيجة، ومن ذلك ما أثبته مجموعة من علماء الصين في عدد من التجارب المختبرية استحالة إفناء عجب الذنب كيميائياً بالإذابة في أقوى الأحماض، أو فيزيائياً بالحرق، أو بالسحق، أو بالتعريض للأشعة المختلفة(7)، ولقد قام الدكتور عثمان جيلان بالتعاون مع الشيخ عبد المجيد الزنداني في رمضان 1424هـ في منزل الشيح عبد المجيد الزنداني في صنعاء بتجربة على العصعص حيث قاموا وتحت تصوير تلفزيوني بأخذ أحد فقرتين لخمس عصاعص للأغنام وقاموا بإحراقها بمسدس غاز فوق أحجار ولمدة عشرة دقائق حتى احمرت وتأكدوا من إحراقها التام بحيث أصبحت حمراء، وبعد ذلك أصبحت سوداء متفحمة فوضعوا القطع في علب معقمة وأعطوها لأحد أشهر المختبرات في صنعاء (مختبر العولقي).
وقام الدكتور صالح العولقي أستاذ علم الأنسجة والأمراض في جامعة صنعاء بفحصها نسيجياً وكانت النتيجة مبهرة حيث وجد خلايا عظمة العصعص لم تتأثر ولازالت حية وكأنها لم تحرق، أما الذي احترق فهو العضلات والأنسجة الدهنية وخلايا نخاع العظم المصنعة للدم، أما خلايا عظمة العصعص فلم تتأثر(8).
فكل هذه التجارب تؤكد أن عجب الذنب لا يبلى، بل يظل محتفظاً بخصائصه وقدرته على التخليق حتى في أصعب الظروف.
فيه يركب الخلق يوم القيامة:
المسألة الثالثة التي أخبرت بها الأحاديث هي أن الإنسان يركب خلقه يوم القيامة من عجب الذنب، ومما يصلح أن يستدل به على هذه المسألة هو أن عجب الذنب بعد أن يتراجع ويستقر في العصعص فإنه إذا حدث له مؤثر ونما مرة أخرى فإنه ينمو نمواً يشبه نمو الجنين حيث يبدأ في تكوين الطبقات الأولية الثلاث(الإكتودرم والميزودرم والإندودرم) تماماً مثل نمو الجنين، وينمو على صورة ورم مسخي، يشبه الجنين المشوه بحيث تبرز بعض الأعضاء كالقدم واليد-بأصابع وأظافر- والأعضاء الباقية تكون داخل الورمة، وعند فتح الورم بعد استئصاله فإن الجراح يجد باقي الأعضاء كالأسنان والأمعاء والعظام والشعر والغدد. ووجود هذه الخلايا في منطقة العصعص لكي تحفظ البداية البشرية، ويمكن الاستدلال بهذا على أن الإنسان يركب من عجب الذنب يوم القيامة فمنطقة عجب الذنب تحتوى على خلايا الشريط الأولي وهي ذات مقدرة شاملة كلية بحيث لو نمت خلية فإنها تنمو نمواً بحيث تكون جنيناً(9)".

http://www.youtube.com/watch?v=kAaMYujPVr8

    ونعود مرةً أُخرى إلى أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الكون من العدم، ثم خلق كل ما في هذا الكون من مادته، وبدأ خلق الإنسان من طين (آدم الأول) ، وجعل ذريته تتوالد من الخلية الأولية أو الشريط الوراثي الأولي (عجب الذّنب)، وأن هذا الشريط الوراثي لا يبلى، ولذلك عندما يعيد الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان سيعيده من خلال هذا الشريط الوراثي، فيكون هو ذاته بكل خبراته وتجاربه وذكرياته، والفرق بينه وبين الاستنساخ، أن الكائن أوالإنسان المستنسخ يحمل نفس الجينات الوراثية من النسخة الأولية، ولكنه لا يحمل نفس الروح ولا نفس النفس - وهناك فرق بينهما نتناوله في مقال آخر بإذن الله - ، وكذلك سيحمل هذا الإنسان المُعاد خلقه يوم القيامة بالإضافة لصفاته البيولوجية والنفسية صفات المواد الجديدة التي سيعاد تخليقه من خلالها، فتصبح صفاته الجسدية قادرة على الخلود ولا تفني بالمرض ولا الموت، لأن تلك الحياة الآخرة حياة الخلود.
 
     وهذا والله أعلى وأعلم ،
    
                                                 (صفاء الزفتاوي- 18/ 8/ 2014).
 
 


 
______________________________________________________________________
  المراجع:
   


(1) صحيح مسلم 14/ 201، برقم 5254.
(2) صحيح مسلم 14/ 202، برقم 5255.
(3) لسان العرب 1/ 580.
(4) شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 343.
(5) انظر الأبحاث التالية:
-  الإعجاز الطبي في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحاديث عجب الذنب للدكتور محمد علي البار،  موقع:
 www.nooran.org
-  الإعجاز الطبي في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحاديث عجب الذنب للدكتور محمد علي البار،  موقع:
- الإعجاز الطبي في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحاديث عجب الذنب للدكتور محمد علي البار، موقع: www.nooran.org
(6) عجب الذنب أصل الإنسان الذي لا يبلى للدكتور عثمان جيلان نقلاً عن موقع: www.55a.net
(7) الجسد يبلى ما عدا عجب الذنب للدكتور زغلول النجار، نقلاً عن موقع: www.elnaggarzr.com
(8) عجب الذنب أصل الإنسان الذي لا يبلى للدكتور عثمان جيلان، نقلاً عن موقع: www.55a.net
(9) عجب الذنب أصل الإنسان الذي لا يبلى للدكتور عثمان جيلان نقلاً عن موقع: www.55a.net
(10): منقول عن : الإعجاز العلمي في أحاديث عجب الذنب، إعداد: عادل الصعيدي، نقلًا عن موقع: 
 
 
 

السبت، 16 أغسطس 2014

الصراط المستقيم: (فاتبعُوه...)

 

الصراط المستقيم

قراءة في كتاب:  (فاتبعُوه...)


    تقول الباحثة "نزيهة الدَّخَّان" في تحليلها لحال الأمة الإسلامية وما وصلت إليه من ذُلٍ وهوان وتدنِّي وانهيار حضاري، وفي بحثها عن أسباب ذلك الانهيار، ومن خلال كتابها: (فاتبعوه) : " لم نمتثل لأمره تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ...) ]الأنعام: 153[ . ولم نتلتزم بعهدنا معه سبحانه: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) ] يس:60-61[ ، فالرحمن يقول: (َأنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) ، والشيطان يتوَعَّد : (... لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ] الأعراف:16[ ..." ثم تستطرد قائلةً: " لذا كان لِزامًا علينا أن نسلِّط الضوء على الصراط المستقيم، ذلك الصراط الذي لا نعلم منه إلا الصورة الرَّهيبة بوصفه جسرًا على جهنم، وغفلنا عن الجانب التطبيقي منه بوصفه دُستورًا إلهيًا، وما علينا إلا العمل به بندًا بندًا، وقياس مدى التزام أبناء الأمة به، ومدى حيدهم عنه، وتسخير الطاقات البشرية وتوظيف سلطان الإعلام والتقنيات الحديثة لتوضيح هذا النهج الإلهي الكفيل بنهضة الأمة، التي طال سباتها"[1].


    "وتشرح الهدف من خلق الإنسان، وبأن الله خلقنا لعبادته كما بين في كتابه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ] الذاريات:56[، ثم تتساءل ثم توضح معنى العبادة التي يقصدها الله سبحانه والتي يُطالب بها الإنسان قائلةً: " العبادة هي اسمٌ جامِعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"[2] ، ثم تعود إلى الآية: (َأنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ). وتربط معنى العبادة بذلك الصراط قائلةً: " (أن اعبدوني)، إنها حالة مستثناة يدعو فيها سبحانه بني آدم لعبادته وحده، ويقرن الأمر بالعبادة بالإشارة إلى الصراط المستقيم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن العبادة لا تكون إلا باتباعه"[3] . ثم بعد بحث طويل وتدبُّرٍ في كتاب الله لمحاولة فهم الصراط المستقيم الذي ربطه الله بعبادته، ومعرفة أهميتهن وكيف تحدى الشيطان الله سبحانه بأنه سيغوي البشر أجمعين، وسيقعد لهم على هذا الصراط فيضلهم عن طريقه، مستثنيًا من ذلك عباد الله المُخْلَصين، وكيف أن الله نسبَ هذا الصِراط لذاته العليَّة، ووضعه على شكل بنود وأمر باتباعه، ونهى عن اتباع غيره، وقد جاء تفصيله واضحًا في سورة الأنعام :

(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)).


    إنه صِراط، ومنهج، مكون من عشرة بنود:

-         أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا

-         وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

-         وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ

-         وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

-         وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ

-         وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

-         وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ

-         وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى

-         وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

-         وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ

    ثم تشرح الباحثة كل بند من البنود في فصل من فصول الكتاب، لترشدنا كيف أراد الله لنا ووصانا الالتزام بتلك البنود لتحقيق التقوى الكاملة، والغاية من العبادة التي هي الغاية من خلق الإنسان ووجود على الأرض. ثم تختتم الكتاب مستشهدةً بالآية التي يأمر الله سبحانه (ص) بالتمسك بذلك الصراط وبنوده، وبأن هذا الأمر ينسحب كذلك على قومه معه ، في قوله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)) ] الأحزاب[ . مذكرًا تعالى إيَّاهم بمسؤولية تطبيقه والتزامه،بصفتهم المُنطلق لهذا الدين والناطق باسمه، ليستحقوا الخيرية التي منحهم الله شرفها بشرط القيام بواجبها، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. فالخيرية ليست صفة دائمة نتوارثها كوننا ننتمي للاسلام اسمًا، بل هي صفة من حمل الإسلام اسمًا ومضمونًا، فلا خير في أمةٍ لا يشهد التاريخ بخيريتها، فالخيرية التي تدر الخير على أصحابها تتمثل في قوله تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) ] الجن:16[ ، ثم يعقب الله تعالى بتحذير ضمني من الوقوع في الفتنة، قائلًا: (لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ... ) ] الجن: 17[ ، والفتنة قد تكون بالشر أو بالخير، ثم تختتم بالدعاء القرآني الخالد: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ) ] الفاتحة[ ..."[4].
 
                                                                            (صفاء الزفتاوي- 16/8/2014)





[1]  نزيهة محمد علي الدّخان، فاتبعوه ، ط1، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 2014، (الغلاف الخلفي للكتاب).
[2]  ابن تيمية، العبودية، تحقيق محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط7 المجددة، 2005، ص44.
[3]  نزيهة محمد الدّخان، سابق، ص30.
[4]  نزيهة محمد علي الدّخان، سابق، (استعراض لأهم أفكار).

الجمعة، 15 أغسطس 2014

الرؤية الحضارية الكونية القرآنية

 

"الرؤية الحضارية الكونية القرآنية".... لعبد الحميد سليمان.
                         (كتاب يستحق القراءة)
                                   ****
    فما هي "الرؤية الكونية الحضارية القرآنية" كما سماها "عبد الحميد أبو سليمان" ؟ وما هي "الحقيقة القرآنية" التي تمكننا من إعادة بناء الإنسان المسلم ومن ثم الحضارة الإسلامية مرةً أُخرى؟ 

   يوضح "أبو سليمان" كيف كان الأصحاب " الصحابة من مهاجرين وأنصار" يتلقون الوحي والحقيقة القرآنية، وكيف حولتهم تلك الرؤية الكونية القرآنية من البداوة والتصحر إلى قمم من العلم والفكر والإيمان والحماس والدافعية التي دفعتهم لأن يقودوا العالم وينشروا إليه نور الإسلام والإيمان والحضارة، وذلك قبل أن تتشوه تلك الرؤية بفعل المؤثرات الزمانية والمكانية والبيئية والسياسية وغيرها في الأجيال التالية فتدخلهم في دوامات من الفكر الفلسفي البعيد عن واقع الحياة ويبعدهم عن الهدف من استخلاف الإنسان للأرض واستعماره فيها، فيقول "أبو سليمان": " كان الأصحاب حول الرسول – صلى الله عليه وسلم _ تلامذة على القرآن الكريم، ورؤيته الكلية الحضارية، من بدء خلق الإنسان، حين استخلفه الله تعالى في الأرض: ( إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفةً)- البقرة:30 ، إلى أن يبلغ الوجود الإنساني غايات وجوده في التسخير والإعمار، وأن يبلغ الغاية في الإبداع والزينة والتسخير والإمتاع والإعمار حين يرث الله الأرض ومن عليها ( حتى إذا أخَذَت ألأَرضَ زُخْرُفُهَا واْزَّيَنَتْ وَظَنَ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا) - يونس: 24، فقد كان الأَصْحاب، تلامذة القرآن الكريم، يجلسون إلى كل عشر آيات من القرآن لا يتجاوزونها، إلا أن يتعلموها ويعملوا بها، وليتم ذلك على عين المُصْطَفى – صلى الله عليه وسلم- مُعَلِّمًا ونمُوذَجًا ومُرْشِدًا خُلُقُهُ القُرْآن ( وَإِنَّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ) _ القلم: 4، ( وما أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)_ الأنبياء: 107، ( إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) ، الحُجُرات: 13، ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنَ عَمَلًا)_ المُلْك:2 "
                                                                            (الكتاب ص42).
    ومِن هذا المُنْطَلَق القُرْآني يجب أن ننطلق لنرى كيف أن أسس العَقيدة والقيم الإسلامية والتربوية كلها متضمنة في هذا القرآن العَظِيم، والذي ينبغي أن يكون دستورَ حياةٍ لكل المسلمين في كل زمان ومكان، وليعودوا إليه مَرَّةً أُخرى ويتدارسونه كما تدَارَسَه الرَّعيل الأول، لعلنا نخرج من دوائر الفتن التي ندور فيها ولا نستطيع الفِكاك منها منذ عُصُور، ولِنُرَبِي أبناءَنا على تَدَارُسَهٍ وتَدَبُّرَهٍ وفَهْمُهٍ وإِسقاطهٍ على واقع حياتِهم ليكونَ لَهُم نِبْراسًا يَهدي إلى الرُّشد، فتستقيم لديهم دفتي الإيمان/ العقيدة والأخلاق/القيم، وليكُون الدِّينَ سُلُوكًا مُعَاشًا وحضارَةً مُتَجَدِّدَةً في أَرقى مراتبها الإسلام، فالإيمان، فالإحسان، ليصل الإنسان المُسْلِم إلى منزلة (أَحسَنَ تَقْوِيم) التي فَطَرَهُ اللهُ عليها، وأرادها له.
 
    فما هي منزلة (أحسن تقويم) التي وصف الله خلقه للإنسان بها؟
    
    إن (العقيدة- أركان الإيمان) يتم ترجمتها في صورة (سلوك)، وهذا السلوك بدوره ينقسم إلى (عبادات- أركان الإسلام)، وقيم (أخلاقيات- مقام الإحسان)، فإذا صحَّت العقيدة نتج عنها منظومة قيمية صحيحة وأدت إلى سلوك صحيح ونافع على مستوى الفرد والمجتمع، فيرتقي إلى منزلة (أحسن تقويم) الذي أشار إليها الحق سبحانه في كتابه العزيز.
 
    وأرى أن منزلة أحسن تقويم التي ميَّز الله _ سبحانه_ بها الإنسان هي العقل الإنساني الذي يميزه عن بقية المخلوقات، والملكات والقدرات العقلية والنفسية والروحية التي تؤهله لتنفيذ مهمته المنوط بها من خلافة الله في الأرض وعمارتها، عن طريق المعرفة والعلم.
 
ويقول الله عز وجل في سورة التين:﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ التين: 1-8 .
 
    فالحق سبحانه خلق الإنسان في أحسن صورة وأحسن إمكانيات تناسب هذا المخلوق وتؤهله لممارسة مهمته، ثم إن هذا الإنسان يمكن أن ينزل بنفسه إلى منزلة متدنية إذا لم يستخدم تلك الملكات فيما خُلقت له، والمستثنون من هذه المنزلة المتدنية، الذين آمنوا ( منزلة الإيمان والعقيدة الصحيحة المرتكز على العقل والبرهان والدليل والتسليم الغيبي بما لا يمكن للعقل إدراكه)، والتي يعقبها (العمل الصالح) والسلوك القويم المرتكز على الإيمان بالله، والقيم المنبثقة عن ذلك الإيمان.
 
    وأختم بالقول بأهمية العودة إلى القرآن ورؤيته الحضارية الكونية كمنهج حياة، ودستور يتعدى الزمان والمكان والأشخاص والأقوال... إلخ، والعودة إلى تَدبُّرِهِ لنستقبله في قلوبنا وعقولنا كما استقبله المسلمون الأوائل، غضًا طريًا مثمرًا دائمًا، ووجوب جعله معيارًا نقيس عليه كل أمور حياتنا المهمة والمؤثرة، ولا نعتبره كتابًا للتبرك ولا للتلاوة الصوتية فقط، ولكن للتدبر العقلي المستمر الذي لا ينقطع ولا يقف عند عصر معين من عصور الاجتهاد ولا عند تفسير مفسر من المفسرين مهما علا في منزلته ومكانته، فالقرآن يَعلُو ولا يُعْلَى عليه.
                                                                   (صفاء الزفتاوي- 15/8/2014)
 
 

الاثنين، 11 أغسطس 2014

(ولِتُصْنَع علَى عَيْنِي)... التربية الربانية، والصناعة الإلهية

   

(ولِتُصْنَع علَى عَيْنِي)... التربية الربانية، والصناعة الإلهية

 
 يقول الله عز وجل في سورة (طه): " إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى(38)أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني(39)إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعنك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجينك من الغم وفتنك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يموسى(40)واصطنعتك لنفسي(41)اذهب أنت وأخوك بأيتي ولا تنيا في ذكري(42)اذهبا إلى فرعون إنه طغى(43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى(44)  ".  
 
    تأملوا قول الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام: ( واصطنعتك لنفسي) ، ( ولتصنع على عيني) ... التربية والصناعة الربانية غالية وصعبة. 
 
   سورة (طه) أعظم قصة حب إلهي في الوجود.. وكذلك سورة (يوسف) .. كيف يربي الله ويصنع أنبياءه؟ وعباده الصالحين والمُخْلَصين؟
 
    " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " أي: أجريت عليك صنائعي ونعمي، وحسن عوائدي، وتربيتي، لتكون لنفسي حبيبًا مختصًا، وتبلغ في ذلك مبلغًا لا يناله أحد من الخلق، إلا من هم مثلك في الاصطفاء والقدرة على حمل الأمانة.
وإذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين، وأراد أن يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ، يبذل غاية جهده، ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك.
فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم، وما تحسبه يفعل بمن أراده لنفسه واصطفاه من خلقه؟!!

" وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " أي ولتتربى على نظري وفي حفظي وكفالتي.
وأي نظر وكفالة أجل وأكمل من ولاية البَرّ الرحيم القادر على إيصال مصالح عبده ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة إلا والله تعالى هو الذي في يدبر ذلك لمصلحة موسى.
ومن حسن تدبيره أن موسى لما وقع في يد عدوه قلقت أمه قلقا شديدًا وأصبح فؤادها فارغًا وكادت تخبر به لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها.
 
    إن الله يصنع عباده الصالحين ويبتليهم ليزيد من خبراتهم وقوة تحملهم، وكل بلاء يكون أصعب من الذي قبله حتى يصل في النهاية إلى أن يكون كل إخلاصه وحبه وفعله وقوله لله.
 
    والحديث يطول حول ذلك كثيرًا.
    اللهم رَبِّنا واصنعنا على عينك واكلأنا برحمتك ولا تكلفنا ما لاطاقة لنا به، يا بَرّ يا رحيم.
   
                                                 اللهم آمين.
                                                                                                              (صفاء الزفتاوي- 12/8/2014).
 
 
   

Copyright Text

( اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه )