اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

الجمعة، 15 أغسطس 2014

الرؤية الحضارية الكونية القرآنية

 

"الرؤية الحضارية الكونية القرآنية".... لعبد الحميد سليمان.
                         (كتاب يستحق القراءة)
                                   ****
    فما هي "الرؤية الكونية الحضارية القرآنية" كما سماها "عبد الحميد أبو سليمان" ؟ وما هي "الحقيقة القرآنية" التي تمكننا من إعادة بناء الإنسان المسلم ومن ثم الحضارة الإسلامية مرةً أُخرى؟ 

   يوضح "أبو سليمان" كيف كان الأصحاب " الصحابة من مهاجرين وأنصار" يتلقون الوحي والحقيقة القرآنية، وكيف حولتهم تلك الرؤية الكونية القرآنية من البداوة والتصحر إلى قمم من العلم والفكر والإيمان والحماس والدافعية التي دفعتهم لأن يقودوا العالم وينشروا إليه نور الإسلام والإيمان والحضارة، وذلك قبل أن تتشوه تلك الرؤية بفعل المؤثرات الزمانية والمكانية والبيئية والسياسية وغيرها في الأجيال التالية فتدخلهم في دوامات من الفكر الفلسفي البعيد عن واقع الحياة ويبعدهم عن الهدف من استخلاف الإنسان للأرض واستعماره فيها، فيقول "أبو سليمان": " كان الأصحاب حول الرسول – صلى الله عليه وسلم _ تلامذة على القرآن الكريم، ورؤيته الكلية الحضارية، من بدء خلق الإنسان، حين استخلفه الله تعالى في الأرض: ( إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفةً)- البقرة:30 ، إلى أن يبلغ الوجود الإنساني غايات وجوده في التسخير والإعمار، وأن يبلغ الغاية في الإبداع والزينة والتسخير والإمتاع والإعمار حين يرث الله الأرض ومن عليها ( حتى إذا أخَذَت ألأَرضَ زُخْرُفُهَا واْزَّيَنَتْ وَظَنَ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا) - يونس: 24، فقد كان الأَصْحاب، تلامذة القرآن الكريم، يجلسون إلى كل عشر آيات من القرآن لا يتجاوزونها، إلا أن يتعلموها ويعملوا بها، وليتم ذلك على عين المُصْطَفى – صلى الله عليه وسلم- مُعَلِّمًا ونمُوذَجًا ومُرْشِدًا خُلُقُهُ القُرْآن ( وَإِنَّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ) _ القلم: 4، ( وما أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)_ الأنبياء: 107، ( إِنَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) ، الحُجُرات: 13، ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنَ عَمَلًا)_ المُلْك:2 "
                                                                            (الكتاب ص42).
    ومِن هذا المُنْطَلَق القُرْآني يجب أن ننطلق لنرى كيف أن أسس العَقيدة والقيم الإسلامية والتربوية كلها متضمنة في هذا القرآن العَظِيم، والذي ينبغي أن يكون دستورَ حياةٍ لكل المسلمين في كل زمان ومكان، وليعودوا إليه مَرَّةً أُخرى ويتدارسونه كما تدَارَسَه الرَّعيل الأول، لعلنا نخرج من دوائر الفتن التي ندور فيها ولا نستطيع الفِكاك منها منذ عُصُور، ولِنُرَبِي أبناءَنا على تَدَارُسَهٍ وتَدَبُّرَهٍ وفَهْمُهٍ وإِسقاطهٍ على واقع حياتِهم ليكونَ لَهُم نِبْراسًا يَهدي إلى الرُّشد، فتستقيم لديهم دفتي الإيمان/ العقيدة والأخلاق/القيم، وليكُون الدِّينَ سُلُوكًا مُعَاشًا وحضارَةً مُتَجَدِّدَةً في أَرقى مراتبها الإسلام، فالإيمان، فالإحسان، ليصل الإنسان المُسْلِم إلى منزلة (أَحسَنَ تَقْوِيم) التي فَطَرَهُ اللهُ عليها، وأرادها له.
 
    فما هي منزلة (أحسن تقويم) التي وصف الله خلقه للإنسان بها؟
    
    إن (العقيدة- أركان الإيمان) يتم ترجمتها في صورة (سلوك)، وهذا السلوك بدوره ينقسم إلى (عبادات- أركان الإسلام)، وقيم (أخلاقيات- مقام الإحسان)، فإذا صحَّت العقيدة نتج عنها منظومة قيمية صحيحة وأدت إلى سلوك صحيح ونافع على مستوى الفرد والمجتمع، فيرتقي إلى منزلة (أحسن تقويم) الذي أشار إليها الحق سبحانه في كتابه العزيز.
 
    وأرى أن منزلة أحسن تقويم التي ميَّز الله _ سبحانه_ بها الإنسان هي العقل الإنساني الذي يميزه عن بقية المخلوقات، والملكات والقدرات العقلية والنفسية والروحية التي تؤهله لتنفيذ مهمته المنوط بها من خلافة الله في الأرض وعمارتها، عن طريق المعرفة والعلم.
 
ويقول الله عز وجل في سورة التين:﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ التين: 1-8 .
 
    فالحق سبحانه خلق الإنسان في أحسن صورة وأحسن إمكانيات تناسب هذا المخلوق وتؤهله لممارسة مهمته، ثم إن هذا الإنسان يمكن أن ينزل بنفسه إلى منزلة متدنية إذا لم يستخدم تلك الملكات فيما خُلقت له، والمستثنون من هذه المنزلة المتدنية، الذين آمنوا ( منزلة الإيمان والعقيدة الصحيحة المرتكز على العقل والبرهان والدليل والتسليم الغيبي بما لا يمكن للعقل إدراكه)، والتي يعقبها (العمل الصالح) والسلوك القويم المرتكز على الإيمان بالله، والقيم المنبثقة عن ذلك الإيمان.
 
    وأختم بالقول بأهمية العودة إلى القرآن ورؤيته الحضارية الكونية كمنهج حياة، ودستور يتعدى الزمان والمكان والأشخاص والأقوال... إلخ، والعودة إلى تَدبُّرِهِ لنستقبله في قلوبنا وعقولنا كما استقبله المسلمون الأوائل، غضًا طريًا مثمرًا دائمًا، ووجوب جعله معيارًا نقيس عليه كل أمور حياتنا المهمة والمؤثرة، ولا نعتبره كتابًا للتبرك ولا للتلاوة الصوتية فقط، ولكن للتدبر العقلي المستمر الذي لا ينقطع ولا يقف عند عصر معين من عصور الاجتهاد ولا عند تفسير مفسر من المفسرين مهما علا في منزلته ومكانته، فالقرآن يَعلُو ولا يُعْلَى عليه.
                                                                   (صفاء الزفتاوي- 15/8/2014)
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Copyright Text

( اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه )