اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

السبت، 19 أكتوبر 2013

أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث- مثال: مالك بن نبي

قراءة  في كتاب: 

"أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث"

مثال: (مالك بن نبي)

لمؤلفه: فهمي جدعان

****
 
 
المقدمة:
    لقد كان مالك بن نبي أبرز مفكر عربي عني بالفكر الحضاري منذ ابن خلدون، ولقد كانت مقولته التالية: "إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها" تمثل نقطة البدء عنده والتي استلهمها من قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وكان يعتبر أن مفتاح القضية يكمن في روح الأمة، وقد رأى أن " الاستعمار ليس من عبث السياسيين ولا من أفعالهم بل هو من النفس ذاتها التي تقبل ذل الاستعمار والتي تمكن له في أرضها" ، وقد عرض المؤلف لفكر مالك بن نبي حول عناصر ومكونات وأسباب قيام الحضارة بشكل فلسفي عميق، سنعرضه فيما يلي.
1-   مشكلة الحضارة:  
يرى مالك بن نبي أن مشكلة "المجتمع الإسلامي" الذي ظل "خارج التاريخ" دهرًا طويلًا تكمن في أنه لم يعرف مرضه فظل يبحث عن الدواء الخطأ في كل مكان، فحاول أن يجد الدواء في نقل بعض الحلول في استهلاك أفكار ومنتجات الحضارات الأحى غربية وشرقية، ولكنه لم ينجح، والسبب واضح في أن مقياس الحضارة الحقيقي ليس في استهلاك منتجات حضارة أخرى، بل إن الحضارة الحقيقية هي التي تلد منتجاتها. وأن العلاج يكمن في إعادة تركيب الحضارة لا تكديس منتجاتها، وأن أي ناتج حضاري تنطبق عليه الصيغة التالية:       ناتج حضاري = إنسان + تراب + وقت.
أي أن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت. وهذ المشكلات تحتاج إلى حل.
2-   مُرَكَّب الحضارة:
إن مركب الحضارة من وجهة نظر مالك بن نبي هو ذلك العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض هو " الفكرة الدينية  وكذلك فللحضارة حياتها أو بحسب رأي ابن خلدون "دورتها" والتي تتمثل في النهضة ثم الأوج ثم الأفول، ويرى ابن نبي أن هذه الدورة خالدة ولكن في نفس الوقت يملك الناس تغيير مصيرهم إذا غيروا ما بأنفسهم. ويرى أنه حين يتدخل "المركب الديني" يبث في العناصر الراكدة الحياة، فيخرج الإنسان من حالة الطبيعة أو الفطرة ويندفع بطاقة حيوية هائلة قد ضبطت الفكرة الدينية فيها الغرائز والحيوية الحيوانية وردود الأفعال وأخضعتها لنظام أخلاقي سام ودقيق لدى الفرد، ولنظام متماسك على درجة عالية من التوتر والتكافل على مستوى الجماعة، هنا تصمت "الغريزة" ويخضع الكل لقانون (الروح) الذي يولد النهضة والتقدم والحضارة.
3-   مراحل - (دورة) – الحضارة:
تمر الحضارة بثلاثة مراحل:
    (1)-  مرحلة "النهضة" أو"الروح"، عندما تتمكن الفكرة الدينية من الإنسان والمجتمع وتسمو به فوق لغرائز، ويكون هناك توازن بين الروح والعقل، ويرى ابن نبي أنها تطابق المسافة التاريخية ما بين غار حراء وواقعة صفين عام 38هـ، التي وضع فيها مجيء معاوية حدًا لبناء (الروح) ولما كان قائمًا من توازن بين الروح والزمن. 
    (2)- مرحلة "العقل"، عندما تكتمل الفكرة الدينية وتبلغ أقصى مداها فتتولد بسبب هذا الاكتمال ضروريات جديدة ومشكلات مادية، فينشأ عند ذلك منعطف "العقل"، ولكنه لا يملك سيطرة الروح على الغرائز، فتشرع في التحرر من قيودها بالتدريج، ويكف المجتمع عن ممارسة ضبطه لسلوك الفرد، فتهتز القيم الخلقية الاجتماعية، وفي هذه المرحلة يتم التوسع في العلوم والفنون والآداب، وتقابل هذه المرحلة العصر الأموي والعصر العباسي الأول، ويختل التوازن الذي كان قائمًا بين الروح والعقل لمصلحة العقل، فتظهر بوادر الفتور الدالة على قرب أفول "الروح".
    (3)- مرحلة "الأفول" أو"الغريزة"، عندما يشتد نفوذ العقل وتقل سيطرته على الغرائز، وتواصل الغرائز سعيها في التحرر حتى تبلغ مبلغًا كافيًا للسيطرة على فتجر الحضارة إلى الدخول في طورها الثالث، طور (الغريزة)، وهنا تنتهي الوظيفة الاجتماعية للفكرة الدينية وتعود الأشياء إلى ماكانت عليه في مجتمع قد انحلت شبكة علاقاته الاجتماعية وتفسخت أخلاق أفراده بسبب نضوب مخزون الروح ووهن قوى العقل، غتصير الحضارة إلى الأفول والغروب، وتمثل هذه المرحلة العصر العباسي المتأخر وما تلاه إلى عصر ابن خلدون، والتي ساد فيها ما يسميه ابن نبي "إنسان ما بعد الموحدين"، وهو إنسان يعمل لحسابه الخاص وقد اختل نظام الطاقة الروحية لديه وفقد قيمته الاجتماعية، أي تسود الفردية تبعًا لتحرر الغرائز، وتنهار شبكة العلاقات الاجتماعية نهائيًا، فينحط المجتمع وتتهيأ ظروف القابلية للاستعمار فالاستعمار.   
4-   إعادة بناء الحضارة:
يرى مالك بن نبي أن (إنسان ما بعد الحضارة) يختلف اختلافًا عميقًا عن (إنسان ما قبل الحضارة)، فهذ إنسان طبيعي قابل للدخول في دورة الحضارة، أما إنسان ما بعد الحضارة فلم يعد قابلًا  لإنجاز أي عملٍ مُحضَّر إلا إذا تغير عن جذوره الأساسية، وهنا تتكاتف الفكرة الدينية مع التحديات التي يواجهها المجتمع لإعادة البناء الحضاري مرة أخرى. فالإنسا ن العربي الحديث المشوه نفسيًا واجتماعيًأ يحتاج لفكرة دينية عميقة تعيد تغييره من الجذور استنادًا إلى القاعدتين الإسلاميتين الاجتماعيتين – النفسيتين الحضاريتين اللتين تعكس أولاهما الآية: ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ويعكس ثانيتهما القول: " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، ابتداء من تعلم "تلقي القرآن"، بحيث يوحى من جديد إلى الضمير المسلم "الحقيقة القرآنية" كما لو كانت جديدة نازلة من السماء من فورها على هذا الضمير.
الخاتمة:
·         ويمكن لهذا المخطط أن يلخص لنا ( عناصر التركيب الحضاري) التي يضعها مالك بن نبي كشروط لبناء الحضارة، وتوضح كذلك كيف يمكن لمجتمع (ما بعد الموحدين) أن يعيد طاقاته للدخول في دورة للحضارة جديدة.





عناصر التركيب الحضاري عند مالك بن نبي

****

مع تحياتي: صفاء الزفتاوي

19/10/2013
 
*** رابط الكتاب : pdf)   https://docs.google.com/file/d/0BwSf_0bx00Xda1VQUF9aMDJBNzg/edit ).

















 


 

هناك تعليق واحد:

Copyright Text

( اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه )