اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه

السبت، 23 نوفمبر 2013

خواطر قرآنية: 3- أيهما أصعب الموت في سبيل الله أو الحياة في سبيل الله؟




خاطرة 3

أيهما أصعب الموت في سبيل الله أو الحياة في سبيل الله؟

 

    قال الله تعالى في سورة الحجرات: (إنَّما المُؤمنونَ الذينَ آمنُوا باللهِ ورسولِهِ ثُمَّ لم يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بأموالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سبيلِ اللهِ).(الآية:15).
    وفي
سورة التوبة: (لكنِ الرَّسولُ والذينَ آمنُوا معهُ جاهدُوا بأموالِهِمْ وأنفسِهِمْ)، (الآية: 88).

   وجاء في سورة التوبة أيضًا: (انْفِرُوا خِفافًا وثِقالاً وجَاهِدُوا بأموالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ في سبيلِ اللهِ)، (الآية:41) وجاء في سورة الصفِّ: (تُؤْمِنُونَ باللهِ ورسولِهِ وتُجاهِدُونَ في سبيلِ اللهِ بأموالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ)،(الآية:11). وجاء في سورة النساء: (فَضَّلَ اللهُ المُجاهدِينَ بأموالِهِمْ وأنفسِهِمْ علَى القاعِدِينَ درجةً)، (الآية:95). وفي غيرها من الآيات.

    الجهاد بمعناه العام هو أن يَبذُل الإنسان كلَّ ما يستطيع من جَهد لتحقيق غاية من الغايات، وهذا الجهاد قد يكون باللسان، وقد يكون بالمال، وقد يكون بالنفس، وقد ذكر القرآن الكريم الجهاد بالنفس والمال في آيات كثيرة، وجاء ذكر الجهاد بالأموال قبل ذكر الجهاد بالأنفس، فما السر في تقديم الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس؟
    إن تقديم الأموال على
الأنفس يُثير نوعًا من التساؤل، فما حكمة  ذلك التقديم؟

    ربما يكون سبب تقديم الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس إنما يرجع إلى المعروف من أن النفوس تَشِحُّ بالمال وتبخَل به في العادة، فبدأ القرآن بذكر الجهاد بالأموال لِيدرِّبَ الناس على بسط اليد والتضحية بالمال، فيكون هناك تدرُّج: يبدأ الناس بالتبرع بالمال، ويُشترَى السلاح بهذا المال، ثم يبدأ الجهاد بالنفس على أساس استخدام هذا السلاح، وهذا يُذكِّرنا بأن الترتيب الزمني يناسبه تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؛ لأن الجهاد بالمال مرحلة تسبق ـ زمنيًّا ـ الجهاد بالنفس .
  ولكن الجهاد بالنفس إذا كان صادقًا ومخلصًا أفضل من الجهاد
بالمال، وقديمًا قال القائل الحكيم: "والجُودُ بالنفس أقصى غايةِ الجود"؛ وذلك لأن تمام الجهاد بالنفس هو الحصول على نعمة الاستشهاد، والشهادة هي قمة الجهاد في سبيل الله، ولذلك كرَّمَها الله وكرَّم أهلها حين قال: (
ولا تَحسبنَّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون. فَرِحينَ بما آتاهُمُ الله مِن فضلهِ ويَستبشرونَ بالذينَ لم يَلحقُوا بهم مِن خلْفِهِمْ ألاَّ خَوْفٌ عليهمْ ولا همْ يَحزَنونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ من اللهِ وفَضْلٍ وأنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤمِنِينَ)، (آل عمران: 169ـ171).

    ولكن ربما هناك تفسير آخر، وهو أن الموت في سبيل الله يكون عادةً نابع من الإيمان الشديد بالله، والإيمان بأن هناك ثواب وحياة أفضل بعد الموت، أما الإنسان ضعيف الإيمان الغير واثق مما قد يلاقيه بعد الموت فإنه يخاف الموت ويضن بحياته.

    فالموت في سبيل الله هو نتيجة نهائية للحياة في سبيل الله، وهي نتيجة سهلة جدًّا على من عاش حياته في سبيل الله، ففي هذه التضحية بالحياة يجد لذَّةً لا تعدلها لذَّة، وسعادةً لا تعدلها سعادة، وهو يُقدم على الموت أو الاستشهاد بحب ورغبة ونفسٍ مُطمئنةٍ راضية، فهذه النتيجة سبقتها حياة في سبيل الله كانت أصعب من الموت بكثير. لماذا؟!

    لأن الحياة بمغرياتها ومتطلباتها وشئونها تجذب الإنسان دائمًا لأسفل؛ للأرض، فهو دائمًا حريص على المال، حريص على توفير الحياة المرفهة لنفسه ولأسرته، ويسعى دائمًا لتوسيع دائرة مكتسباته في الحياة، فإذا طلبت منه التضحية بماله، فقد يكون صعبًا عليه، وإذا طلبت منه التضحية براحته في سبيل أداء بعض العبادات أو مساعدة المُحتاج، أو دعوة الناس للدين، أو.. أو...، لو طلبت منه غض البصر، أو عدم الذهاب للشواطئ الممتلئة بالمشاهد الخارجة عن الحياء، أو عدم السهر في النوادي التي تعرض بعض الملاهي غير الأخلاقية، أو عدم التعامل مع البنوك الربوية، أو ترك عمله الذي يدر عليه دخلًا كبيرًا والبحث عن غيره لأنه يدخل فيه بعض المعاملات المحرمة، أو أن يأمر زوجته وابنته بالاحتشام ولو قليلًا أو...، فإن ذلك يكون صعبًا عليه، فالحياة في سبيل الله صعبة جدًّا، مليئة بالفتن، فتن الشهوات والشبهات التي تجعل الإنسان متحيرًا إذا أراد أن يحيا في طاعة الله، فكيف له ذلك وهذه الدنيا التي يحيا فيها تشده إلى الخروج عن دائرة الطاعة والدين من كل الجهات، حتى أنه ليجد نفسه يتمزَّق ويُفتن كل يوم، وصدق الرسول العظيم إذ قال في حديثه ما معناه أنه سيأتي يوم يصبح فيه الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا تتخاطفه الفتن من كل جانب، فالحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله.
   فالمجاهد الصادق بنفسه يكون في العادة قد
سَبق له أن جاهد بماله قدْر استطاعته، وجاهد على جميع الجبهات حتى وصل إلى درجة الجهاد بالنفس، والتي يصل إليها فيجدها أهون وأسهل بكثير على نفسه بعدما اختبر كل أنواع الجهاد في حياته، والله ولي جميع المجاهدين .

    وإن الدارس لحركات الإصلاح الإسلامية يجدها نوعان .. نوع سلمي ثقافي .. مثل حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.. وغيرها الكثير .. وحركات مسلحة حاولت مقاومة الظلم .. ولكنها لم تجد أعوان وعدة وعتاد يكافئ عدة الظالم ودخلها الخائنون وأصحاب المصالح وكذلك الغرور والانتصار للنفس وليس لله أحيانا فانهزمت ..
أما حركات الإصلاح السلمية فتأخذ وقتا طويلا .. ولكن تأثيرها يكون أكثر فاعلية ودواما .. ولذلك فلنخلص النية لله وليكن همنا الانتصار للحق وللمبدأ وليس للنفس والفرد .
فليكن همنا إصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا من الداخل وتنظيفها من الجهل والتخلف .. ونحق الحق على أنفسنا أولا .. فيعطينا الله ما نستحق من عدل وإنصاف ورحمة .
وقد قيل ( ولا أذكر القائل ) : ( كما تكونوا يولى عليكم ) .. فمن أراد حاكما كعمر بن الخطاب .. فليكن مثل من حكمهم عمر أولا .. حكم صحابة وتابعين وصالحين وأتقياء فاستحقوه حاكما.
وهل انتصر الأنبياء الذين قتلوا على مر التاريخ من آدم إلى عيسى عليه السلام لأنفسهم .. ولكن الله ينصر رسله .. والله ينصر من ينصره .. والنصر هنا ليس،للشخص الفرد ولكن للمبدأ .. فقد يموت الإنسان ليعيش المبدأ ..

وأعيد السؤال مرةً أُخرى: أيهما أصعب الموت في سبيل الله أم الحياة في سبيل الله؟
                                                         ****
                                                                                           صفاء الزفتاوي
                                                                                            14-6-2012   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Copyright Text

( اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه )